الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
تفاسير سور من القرآن
72039 مشاهدة
تفسير قوله: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .


لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم قرأ هذا الحرف عامة القراء ما عدا الكسائي مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وقرأ الكسائي من السبعة مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ بفتح ياء المتكلم، وقرأها الباقون إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ بإسكان الياء، والجميع لغة. أما قراءة الكسائي مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ، فغيره نعت للإله وهو مجرور بمن.
وأما على قراءة الجمهور: مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ فالنعت راجع للمحل؛ لأن الأصل ما لكم إله غيره، فجر المبتدأ بمن لتوكيد النفي، فهو مخفوض لفظا مرفوع محلا، والتابع للمخفوض لفظا المرفوع محلا يجوز رفعه نظرا إلى المحل، وخفضه نظرا إلى اللفظ، كما هو معروف في علم العربية.
واللام في قوله: لَقَدْ أَرْسَلْنَا هي جواب قسم محذوف، والله لَقَدْ أَرْسَلْنَا وهذه اللام الموطئة للقسم إذا جاءت مع الفعل الماضي لا تكاد العرب تجردها من قد. تأتي معها بقد التحقيقية دائما، حتى زعم بعض العلماء أن قد واجبة معها إن كانت بعد اللام الموطئة للقسم قبل فعل ماض.
والتحقيق أنه لغة فصحى كثيرة ربما نطقت العرب بغيرها فجاءت باللام والماضي دون قد، وهو مسموع في كلام العرب، ومنه قول امرئ القيس
حلفت لهـا باللـه حلفـة فاجــر
لناموا فما إن من حديـث ولا صــال
ولم يقل: لقد ناموا. والله لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قومه.